فصل: (المطففين: آية 36)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[المطففين: آية 36]

{هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ (36)}.
{هَلْ} حرف استفهام {ثُوِّبَ} ماض مبني للمجهول و{الْكُفَّارُ} نائب فاعل والجملة مقول قول محذوف و{ما} مفعول به {كانُوا} كان واسمها {يَفْعَلُونَ} مضارع مرفوع والواو فاعله والجملة خبر {كانوا} وجملة {كانوا} صلة ما. اهـ.

.فصل في تخريج الأحاديث الواردة في السورة الكريمة:

قال الزيلعي:
سورة المطففين ذكر فِيهَا ثَلَاثَة أَحَادِيث:
1466- الحديث الأول:
رُوِيَ أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ قدم الْمَدِينَة وَكَانُوا أَخبث كَيْلا فَنزلت فَأحْسنُوا الْكَيْل.
وَقيل قدمهَا وَبهَا رجل يعرف بِأبي جُهَيْنَة وَمَعَهُ صَاعَانِ يَكِيل بِأَحَدِهِمَا وَيَكْتَال بِالْآخرِ.
وَقيل كَانَ أهل الْمَدِينَة تجارًا يُطَفِّفُونَ وَكَانَت مُبَايَعَتهمْ الْمُنَابذَة وَالْمُلَامَسَة وَالْمُخَابَرَة فَنزلت فَخرج رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ فقرأها عَلَيْهِم وَقال: «خمس بِخمْس» قيل يَا رَسُول الله وَمَا خمس بِخمْس قال: «مَا نقض قوم الْعَهْد إِلَّا سلط الله عَلَيْهِم الْفقر وَمَا ظَهرت فيهم الْفَاحِشَة إِلَّا فَشَا فيهم الْمَوْت وَلَا طَفَّفُوا الْكَيْل إِلَّا منعُوا النَّبَات وَأخذُوا بِالسِّنِينَ وَلَا منعُوا الزَّكَاة إِلَّا حبس عَنْهُم الْقطر».
قلت الأول رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير من حديث يزِيد بن أبي سعيد النَّحْوِيّ عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قال لما قدم رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ الْمَدِينَة فَكَانُوا من أَخبث النَّاس كَيْلا فَأنْزل الله تعالى: {ويل لِلْمُطَفِّفِينَ...} إِلَى أخر الْآيَة فَأحْسنُوا الْكَيْل بعد ذَلِك. انتهى.
وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه فِي النَّوْع الرَّابِع عشر من الْقسم الثَّالِث وَالْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك فِي الْبيُوع وَقال صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ انتهى.
والثاني نَقله الثَّعْلَبِيّ عَن السّديّ وَكَذَلِكَ الواحدي فِي أَسبَاب النُّزُول وَفِي الْوَسِيط وَالثَّالِث غَرِيب، وَحديث خمس بِخمْس رَوَاهُ الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك فِي كتاب الْجِهَاد من حديث بشر بن المُهَاجر عَن عبد الله بن بُرَيْدَة عَن أَبِيه قال قال رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ: «مَا نقض قوم الْعَهْد إِلَّا كَانَ الْقَتْل فيهم وَلَا ظَهرت فيهم فَاحِشَة إِلَّا سلط الله عَلَيْهِم الْمَوْت وَلَا منع قوم الزَّكَاة إِلَّا حبس الله عَنْهُم الْقطر وَمَا نَقَصُوا الْمِكْيَال وَالْمِيزَان إِلَّا أخذُوا بِالسِّنِينَ وَمَا حكمُوا بِغَيْر مَا أنزل الله إِلَّا فَشَا فيهم الْفقر» انتهى وَقال صَحِيح على شَرط مُسلم وَلم يخرجَاهُ.
وَرُوِيَ فِي كتاب الْفِتَن من حديث حَفْص بن غيلَان عَن عَطاء بن أبي رَبَاح عَن عبد الله بن عمر مَرْفُوعا نَحوه وَصَححهُ.
وَرُوِيَ الطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه من حديث إِسْحَاق بن عبد الله بن كيسَان حَدثنِي أبي عَن الضَّحَّاك بن مُزَاحم عَن مُجَاهِد وَطَاوُس عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا نَحوه وَقال فِيهِ «وَلَا طَفَّفُوا الْمِكْيَال إِلَّا منعُوا النَّبَات أخذُوا بِالسِّنِينَ».
1467- الحديث الثَّانِي:
رُوِيَ «أَن الْمَلَائِكَة لتَصْعَد بِعَمَل العَبْد فيستقلونه فَإِذا انْتَهوا بِهِ إِلَى مَا شَاءَ الله من سُلْطَانه أوحى إِلَيْهِم أَنْتُم الْحفظَة على عبَادي وَأَنا الرَّقِيب على مَا فِي قلبه وَإنَّهُ قد أخْلص عمله فَاجْعَلُوهُ فِي عليين فقد غفرت لَهُ وَإِنَّهَا لتَصْعَد بِعَمَل العَبْد فَيُزَكُّونَهُ فَإِذا انْتَهوا بِهِ إِلَى مَا شَاءَ أوحى إِلَيْهِم أَنْتُم الْحفظَة على عَبدِي وَأَنا الرَّقِيب على قلبه وَإنَّهُ لم يخلص عمله فَاجْعَلُوهُ فِي سجين».
قلت رَوَاهُ ابْن الْمُبَارك فِي كتاب الزّهْد وَالرَّقَائِق أخبرنَا أَبُو بكر بن أبي مَرْيَم الغساني عَن ضَمرَة بن حبيب قال قال رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ: «إِن الْمَلَائِكَة ليصعدون بِعَمَل العَبْد فيستقلونه وَيَحْتَقِرُونَهُ حَتَّى ينْتَهوا بِهِ حَيْثُ شَاءَ الله من سُلْطَانه فَيُوحِي الله إِلَيْهِم إِنَّكُم حفظَة على عمل عَبدِي وَأَنا رَقِيب على مَا فِي نَفسه فضاعفوا لَهُ واكتبوه لَهُ فِي عليين وَإِن الْمَلَائِكَة ليرفعون عمل العَبْد من عباد الله فيكثرونه ويزكونه حَتَّى ينْتَهوا بِهِ حَيْثُ شَاءَ الله بن سُلْطَانه فَيُوحِي الله إِلَيْهِم أَنكُمْ حفظَة على عمل عَبدِي وَأَنا رَقِيب على مَا فِي نَفسه إِن عَبدِي هَذَا لم يخلص لي عمله فَاجْعَلُوهُ فِي سجين». انتهى.
1468- الحديث الثَّالِث:
عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلمَ: «من قرأ سُورَة المطففين سقَاهُ الله من الرَّحِيق الْمَخْتُوم يوم الْقِيَامَة»
قلت رَوَاهُ الثَّعْلَبِيّ فِي تَفْسِيره من حديث سَلام بن سليم الْمَدَائِنِي ثَنَا هَارُون ابْن كثير عَن زيد بن أسلم عَن أَبِيه عَن أبي أمامة عَن أبي بن كَعْب قال قال رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ: «من قرأ سُورَة المطففين.». إِلَى آخِره.
قال ابْن أبي حَاتِم فِي علله قال أبي سَلام بن سليم هُوَ سَلام الطَّوِيل وَهُوَ مَتْرُوك الحديث.
وَرَوَاهُ ابْن مرْدَوَيْه فِي تَفْسِيره حَدثنَا أَبُو عَمْرو احْمَد بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم ثَنَا أَبُو أُميَّة مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم ثَنَا عَمْرو بن سُفْيَان الْقطيعِي ثَنَا الْحسن بن عجلَان وَهُوَ ابْن أبي جَعْفَر الْجفْرِي ثَنَا على بن زيد عَن زر بن حُبَيْش عَن أبي ابْن كَعْب قال قال رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ: «من قرأ ويل لِلْمُطَفِّفِينَ سقَاهُ الله من الرَّحِيق الْمَخْتُوم قيل يَا رَسُول الله وَمَا الرَّحِيق الْمَخْتُوم قال غُدْرَان الْخمر» انتهى.
وَرَوَاهُ أَيْضا بسنديه فِي آل عمرَان بِلَفْظ المُصَنّف وَرَوَاهُ الواحدي فِي تَفْسِيره الْوَسِيط بِسَنَدِهِ فِي يُونُس. اهـ.

.من مجازات القرآن في السورة الكريمة:

.قال ابن المثنى:

سورة ويل للمطففين 83:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} (1) المطفّف الذي لا يوفى على الناس من الناس..
{وَإِذا كالوهم أَوْ وزنوهم} (3) إذا كالوا لهم أو وزنوا لهم، قال خفاف:
يصيدك قافلا والمخّ رار

[933].
{لَفِي سجين} (7) في حبس، فعّيل من السجن كما يقال: فسّيق من الفسق..
{مرقوم} (9) مكتوب..
{كَلَّا بَلْ رانَ على قُلُوبِهِمْ} (14) غلب على قلبه والخمر ترين على عقل السكران والموت يرين على الميّت قال أبو زبيد:
ثم لما رآه رانت به الخمـ ** ـر وألّا ترينه بأنقاء

[934].
{نَضْرَةَ النَّعِيمِ} (24) مصدر (ناضرة)..
{رَحِيقٍ} (25) الرحيق الذي ليس فيه غشّ، رحيق معرّق من مسك أو خمر.
{مَخْتُومٍ} (25) له ختام. عاقبة ريح.
{ختامه} (26) عاقبته..
{مِنْ تَسْنِيمٍ} (27) معرفة.
قال: {عَيْناً} (28) فجاءت نكرة فنصبتها صفة لها..
{هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ} (36) هل جوزى... اهـ.

.قال الشريف الرضي:

ومن السورة التي يذكر فيها المطففون:

.[المطففين: آية 15]

{كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يومئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15)}.
قوله سبحانه: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يومئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [15]وهذه استعارة مجاز، لأن الحجاب لا يطلق إلا على من يصح عليه الظهور والبطون، والاستتار والبروز.
وذلك من صفة الأجسام المحدثة، والأشخاص المؤلفة. والمراد بذكر الحجاب هاهنا أنهم ممنوعون من ثواب اللّه سبحانه، مذودون عن دخول جنته، ودار مقامته. وأصل الحجب المنع. ومنه قولنا في الفرائض: الإخوة يحجبون الأم عن الثلث إلى السدس. أي يمنعونها من الثلث، ويردّونها إلى السدس. ومن ذلك أيضا قولهم: حجب فلان عن باب الأمير. أي ردّ عنه، ودفع دونه. ويجوز أن يكون كذلك معنى آخر، وهو أن يكون المراد أنهم غير مقربين عند اللّه سبحانه بصالح الأعمال واستحقاق الثواب. فعبّر سبحانه عن هذا المعنى بالحجاب. لأن المبعد المقصى يحجب عن الأبواب، ويبعد من الجناب. اهـ.

.فصل في التفسير الموضوعي للسورة كاملة:

قال محمد الغزالي:
سورة المطففين:
وسورة المطففين تجيء بعد الانفطار كأنها تكملة لها، وتفصيل لعلاقات العمل بالجزاء. وهى علاقة يستحيل فصمها، وإن اختل تصور المسلمين لها في أيام اضمحلالهم. هناك أنانيون لا يشعرون إلا بمطالبهم وإن كانت باطلا، ويضيقون بمطالب غيرهم وإن كانت حقا. هؤلاء ينطلقون في المدائن والقرى كأنهم وحوش نهمة لا يعرفون إلا ما يشتهون. وقد يكون المظهر القريب للتطفيف ما قاله تعالى: {الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون}. بيد أن هذا السلوك يطرد في صور شتى للحياة. فهناك ناس كما يقول العامة (بعيرهم جمل). أما ما يملكه الآخرون فلا حرمة له.! ويستحيل أن تصلح الحياة بتلك المشاعر المتناقضة المتظالمة ولا بوجهات النظر القائمة على الهوى الشخصى {إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم فهم يعمهون أولئك الذين لهم سوء العذاب وهم في الآخرة هم الأخسرون}. الإيمان بالله واليوم الآخر يعصم من هذه الدنايا، ويقيد الأيدى فلا تفتك، والرغبات فلا تجمح، والضمائر فلا تجور، ولذلك قال في المطففين {ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين}. ومستقبل الناس عند ربهم لا تقرره فلتات اللسان ولا عثرات الطريق، وإنما تقرره مناهج مرسومة وعادات مستحكمة. فالخطأ العابر يوشك المؤمن أن يطهر منه، أما البرنامج الموضوع لحياة هابطة فهو أساس الهلاك. وفى الحديث: «إن العبد إذا أخطأ خطيئة، نكت في قلبه نكتة سوداء، فإذا هو نرع واستغفر وتاب صقل قلبه. فإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه». وذلك هو الران الذي قال الله فيه {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ثم إنهم لصالو الجحيم}.
وقال الحسن البصرى: الران هو الذنب على الذنب حتى يعمى القلب فيموت.
إن الذين يألفون الدنايا ويعيشون كالحشرات في السراديب والحفر لا تفتح لهم أبواب السماء، إنهم لم يحاولوا التسامى فكيف يرتفعون؟ {كلا إن كتاب الفجار لفي سجين وما أدراك ما سجين كتاب مرقوم ويل يومئذ للمكذبين}. أما الذين يتحملون تكاليف التقوى ومشقات التزكية.. أما الذين يساندون الحق ويصابرون أعباءه، فلهم شأن آخر {كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين وما أدراك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون إن الأبرار لفي نعيم على الأرائك ينظرون تعرف في وجوههم نضرة النعيم}. والمجاهدون الأوائل كان يزينهم بريق الصدق وشرف الاعتقاد، ولكن قلة عددهم وضعف سلاحهم نال منهم وأغرى بهم، فكافأهم الله بهذه الخاتمة المضيئة، وجزاهم على تحمل السخرية والأذى بمقعد صدق ورحيق مختوم. {إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون وإذا مروا بهم يتغامزون وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين}. ربما تكرر المنظر في هذا العصر، ووجدنا منكرين للألوهية يلمزون أهل الإيمان ويتندرون بهم في المجالس! وليس ذلك مثار شكواى! إن المؤمنين الأقدمين كانوا يمثلون جيلا من أحرار العقول وكبار القلوب، كانوا في أسواق المال وساحات القتال جن سليمان، فلما نصرهم الله بعد محنتهم ملأوا الدنيا حضارة ونضارة!! أما الخلوف التي تحمل الإسلام الآن فهم كأولاد العبقرى الذين ورثوا شهرته ولم يزلوا كفايته، لا يقبل منهم أن يقدموا الإسلام وهم ما زكوا به نفسا ولا رفعوا به رأسا. والحق أن الدعاة المخلصين يحاربون في جبهتين.. وليست الجبهة التي ينطلقون منها بأشرف من الجبهة التي يتجهون إليها.. اهـ.

.في رياض آيات السورة الكريمة:

.فصل في أسرار ترتيب السورة:

قال السيوطي:
سورة المطففين:
أقول: الفصل بهذه السورة بين الانفطار والانشقاق التي هي نظيرتها من خمسة أوجه: الافتتاح بـ: {إِذا السماءُ}، والتخلص بـ: {يا أَيُها الإِنسانُ}، وشرح حال يوم القيامة، ولهذا ضمت بالحديث السابقن والتناسب في المقدار، وكونها مكية وهذه السورة مدنية، ومفتتحها ومخلصها غير مالها، لنكتة ألهمنيها الله وذلك أن السور الأربع لما كانت في صفة حال يوم القيامة، ذكرت على ترتيب ما يقع فيه فغالب ما وقع في التكوير، وجميع ما وقع في الانفطار، وقع في صدر يوم القيامة، ثم بعد ذلك يكون الموقف الطويل، ومقاساة العرق والأهوال، فذكره في هذه السورة بقوله: {يوم يقومُ النّاسُ لِربِ العالمين} ولهذا ورد في الحديث: «يقوم أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه» ثم بعد ذلك تحصل الشفاعة العظمى، فتنشر الكتب، فأخذ باليمن، وأخذ بالشمال، وأخذ من وراء الظهر، ثم بعد ذلك يقع الحساب هكذا وردت بهذا الترتيب الأحاديث، فناسب تأخير سورة الانشقاق التي فيها إتيان الكتب والحساب، عن السورة التي قبلها، والتي فيها ذكر الموقف عن التي فيها مبادئ يوم القيامة ووجه آخر، وهو: أنه جل جلاله لما قال في الانفطار: {وإِنَّ عليكُم لحافظين كِراماً كاتبين} وذلك في الدنيا، ذكر في هذه السورة حال ما يكتبه الحافظان، وهو: كتاب مرقوم جعل في عليين، أو في سجين، وذلك أيضاً في الدنيا، لكنه عقَّب بالكتابه، إِما في يومه، أو بعد الموت في البرزخ كما في الآثار فهذه حالة ثانية في الكتاب ذكرت في السورة الثانية.
وله حالة ثالثة متأخرة فيها، وهي أخذ صاحبه باليمين أو غيرها، وذلك يوم القيامة، فناسب تأخير السورة التي فيها ذلك، عن السورة التي فيها الحالة الثانية، وهي الانشقاق، فلله الحمد على ما من بالفهم لأسرار كتابه ثم رأيت الإمام فخر الدين قال في سورة المطففين أيضاً: اتصال أولها بآخر ما قبلها ظاهر، لأنه تعالى بين هناك أن يوم القيامة من صفته: {لا تملِكُ نفسٌ لنفسٍ شيئاً والأَمرُ يومئذٍ لِلَه} وذلك يقتضى تهديداً عظيماً للعصاة، فلهذا أتبعه بقوله: {ويلُ للمُطَفِفين}. اهـ.